«طبيعة» قصة قصيرة للأديب شرقاوي حافظ 

إبداعات بقلم شرقاوي حافظ
إبداعات بقلم شرقاوي حافظ

عزمت على أن أزور صديقا لي، أعددت عدتي وجهزت نفسي للتحليق إلى القطب الجنوبي حيث يسكن صاحبي. بعد سفر طويل وجهد جهيد اقتربت من هناك، لقد لفحتني نسائم الجليد من على بعد مسافات تبلغ عدة كيلومترات. لمحته يقف شامخا وهو ينظر في الفضاء يستقبلني بابتسامته..

لم أستطع احتمال الصقيع.. أشرت عليه أن آخذه بين مخالبي. حيث نجلس معا في مكان وسط نتحمل طقسه نحن الاثنان... فمن الصعب علي وانا من فصيلة النسور...

أن أعيش في هذا الجليد الذي يعيش فيه صديقي البطريق.... وافق... وتعلق بين مخالبي... حتى ضممت أجنحتي ونزلنا في مكان وسط. تجاذبنا حديث الذكريات...

وبعد أن انتهينا قال لي وهو يضحك "تمنيت لو أن لي أجنحة مثلك لعدت إلى مكاني دون أن اسبب لك اي تعب...

فابتسمت له وقلت" ليس هناك تعب، وكم تمنيت انا لو أن لي جسما يتحمل البرودة الشديدة مثلك وكنت جلست معك هناك بدلا من إرهاقك معي".. تعانقا وأخذ صديقه وعاد به... وهو يردد:" لكل منا طبيعة خلق لها... ليعيش فيها"..

فيرد عليه البطريق :"نعم انت نسر حياتك في الفضاءات الشاهقة. وأنا مكاني فوق أهداب الجليد في هذا القطب"... وضع صديقه فوق الجليد وعاد محلقا...

وهو يقول:" الله يرحمك يا أبي... إذا أوصاني... وقال لي... يا ابني... تذكر دائما أن لك أجنحة قوية لكي تحلق في الفضاء... فلا تجعل غيرك يشدك للمكوث فوق الأرض... حتى ولو كان أعز أصدقائك"

وكان البطريق في الوقت نفسه وهو يتبختر فوق الجليد يتغنى ويقول:"الله يرحمك يا أمي... لكم نصحتني وقلت لي... يا بطريق جمالك يا حبيبي في وجودك هنا على شاطئ الجليد. إياك وأن يقنعك أحد بمحاولة الطيران فتتحطم... ولو كان أعز أصدقائك".....

وسمعا كل في مكانه المنطقة الوسطى التي كانا فيها..... وهي تغرد... ها أنتما طائران.. ولكن لكل طبيعته... فلا تحاولا تغيير طبيعتكما...وإلا ففدتما حياتكما واعلما هناك فرق بين تغيير الطبيعة وتكييف الطبيعة، وتذكرا ما حدث لكما من قبل...

فقالا في صوت واحد.. نعم نتذكر.. وقص كل منهما ما حدث له من قبل. قال النسر:أتذكر لما دعاني أحد الأصدقاء من الوحوش الأرضية وطلب مني أن أمكث معه في كوخه، وقال لي استرح قليلا ولكي لا يضايقك جناحك يمكنك أن تخلعه حتى تستيقظ، فأوحيت لي أنت أنه يريد أن يتخلص من أجنحتي حتى يتمكن من افتراسي فتظاهرت بالموافقة وطلبت منه أن يتركني لكي أخلع أجنحتي لأني أشعر بالحرج من وجوده ، فابتعد عني وخرجت وراءه بحرص حتى رأيت أمامي الفضاء الشاسع وفررت منه محلقا فلم يستطع أن يمسك بي"

، وقال البطريق " أتذكر أنا أيضا جيدا عندما زارني أحد أصدقائي من الطيور الجارحة وقال لي تعال بعيدا عن الجليد لكي أريك شيئا جميلا في الطبيعة وأوشكت أن أخرج من كهفي الجليدي لولا أنك أوحيت لي فتظاهرت بالموافقة وقلت له انتظرني لحظة واحدة لكي أحضر باقي ملابسي معي فدخلت الكهف ولم أخرج حتى أحس بأنه ستجمد فتركني وطار نادما"، فقال لهما الصوت، "نعم، هناك أعداء يتظاهرون بالصداقة ويحاولون افتراسكم بنصيحة ظاهرها الصداقة وباطنها العداوة اللدودة"